من الألم إلى الأمل: رحلة أحمد مع التفكير التصميمي
اسمي أحمد، عمري 20 عامًا، وأنا طالب في كلية علوم الحاسوب بجامعة حلب في إعزاز. عشت طوال حياتي في هذه المدينة التي تحمل بين شوارعها ذكريات من الجمال والصمود، لكنها أيضًا تحمل ندوب الصراع. أحد أكثر فصول هذا الصراع ظلامًا هو خطر الألغام التي تركت وراءها مآسي لا تُحصى. رأيت الألم الذي تسببه—أسر محطمة، أرواح تُزهق، وأحلام تتبدد. رأيت جيراني يفقدون أحبّاءهم، وسمعت قصصًا مؤلمة عن أطفال داست أقدامهم على الألغام وهم يلعبون في الحقول. كل قصة كانت تثقل قلبي أكثر، وتجعلني أتساءل: ماذا يمكنني أن أفعل لمنع هذه المآسي؟
في البداية، اعتقدت أن لدي الحل. تخيلت أداة بسيطة يمكن أن يستخدمها الأفراد لرسم خريطة للألغام في قراهم. بدا لي ذلك خطوة إلى الأمام، لكنه لم يكن كافيًا. كنت أدرك في أعماقي أن المشكلة أكبر مني، وأن مقاربتي لم تكن مكتملة. ومع ذلك، تمسّكت بهذه الفكرة، غير متأكد من كيفية تحقيقها.
لكن كل شيء تغير عندما حضرت دورة تدريبية حول التفكير التصميمي. دخلت الغرفة معتقدًا أن لدي الإجابة، لكنني أدركت بسرعة أن الابتكار الحقيقي لا يبدأ بالحلول، بل يبدأ بالفهم. قدّم لنا المدرب، الأستاذ عماد، طريقة جديدة تمامًا في التفكير، طريقة تركز ليس فقط على الأدوات، بل على الناس والتعاون والسياق.
خلال التدريب، التقيت بأشخاص مدهشين—طلاب يعملون في القطاع الإنساني بشكل تطوعي، مهندسين، معلمين، وحتى أشخاص لديهم تجارب مباشرة مع مآسي الألغام. فتحت قصصهم وخبراتهم ورؤاهم عيني على تحديات لم أكن قد أخذتها بعين الاعتبار من قبل. ولأول مرة، فهمت أن حل هذه المشكلة لا يتعلق بالعمل الفردي، بل ببناء حل جماعي يأخذ كل الجوانب بعين الاعتبار ويشرك جميع المتأثرين بها.
لم يكن التدريب مجرد تعلم منهجية؛ بل كان تغييرًا لطريقة تفكيري. أدركت أن الحل لمثل هذا التحدي المعقد يتطلب البدء من الجذور، بطرح أسئلة أساسية مثل: من هم الأشخاص المتأثرون؟ ما هي احتياجاتهم؟ ما العوائق التي يواجهونها؟ بدلًا من التسرع في ابتكار أداة، بدأنا برسم خريطة متكاملة للمشكلة نفسها. اكتشفت أهمية إشراك الجهات الفاعلة الأساسية مثل الدفاع المدني، المنظمات الإنسانية، والمجتمعات المحلية. كما تعلمت أن الابتكار لا يتعلق فقط بالتكنولوجيا، بل يتعلق بالتعاطف والتعاون والفهم العميق للمشكلة.
خطوة بخطوة، بدأنا بإعادة تصور الفكرة. معًا، طرحنا أفكارًا إبداعية لرسم خرائط الألغام بفعالية وأمان، ليس فقط للأسر، بل للمجتمع بأسره. استكشفنا طرقًا للاستفادة من المعرفة المحلية، وتسخير التكنولوجيا، والتنسيق مع الخبراء لإزالة الألغام بأمان. كانت رحلة مليئة بالاكتشاف، يغذيها الإبداع والإصرار من الجميع في تلك الغرفة.
هذا التدريب لم يمنحني الأدوات فحسب؛ بل منحني الأمل. الأمل بأنه حتى في مواجهة مثل هذه التحديات القاسية، يمكننا إيجاد حلول عندما نجتمع معًا ونفكر بطريقة مختلفة. الأمل في أننا يمكننا إنقاذ الأرواح، وحماية المجتمعات، واستعادة الثقة في الأماكن التي دمرها الصراع.
بالنسبة لي، لم تكن هذه مجرد دورة تدريبية؛ كانت نقطة تحول. علمتني أن التغيير لا يبدأ بالأجوبة الجاهزة، بل بالشجاعة لطرح الأسئلة الصحيحة، والعمل الجماعي، والإيمان بقوة الابتكار. اليوم، أنا أكثر عزماً من أي وقت مضى على تطوير هذه الفكرة، ليس فقط من أجل أهالي إعزاز، ولكن لكل مجتمع يحلم بمستقبل أكثر أمانًا.
ولكل من يفكر في حضور مثل هذه التدريبات، لا يسعني إلا أن أقول: ستغير نظرتك للعالم، وستغير نظرتك لنفسك. لقد أعطتني هذه التجربة الأدوات لصنع فرق، لكن الأهم من ذلك، أعطتني الإيمان بأنني قادر على ذلك.